فتحت السّاعة عينيها، صباح يوم الجمعة، وبعد تثاؤبها، دقّت ثماني دقّات.
استيقظ نجيب، نظر إلى ألعابه في زاوية الغرفة، فوجدها كئيبة، على غير عادتها. عرك عينيه، جلس مسنداً ظهره إلى المخدّة، ونادى:
-صيّاح.. لماذا لم توقظني هذا الصّباح بصوتك العذب، هل أنت مريض؟
مطّ الدّيك رأسه من باب القن، قال:
-صراحة.. مللت الصّياح، كلّ صباح كو كو ريكو، كو كو ريكو، لقد بحّ صوتي والتهبت حنجرتي، أنا أحلم بالنّوم طوال النّهار، مثل صديقي الأرنب.
-ماذا؟! صيّاح يحبّ النّوم!
فجأة.. نهق ال* الوقور بصوت عال، وقال:
-هيه.. نجيب، على ذكر الأحلام، أحبّ أن أحكي لك عن حلمي.
وقف الدّبّ الكبير ذو الفرو الأبيض، الذي يشبه القطن حرّك رأسه الكرويّ، قال:
-*.. اسمح لي أن أتكلّم، لأنّني كثير النّسيان، أمّا أنت فمشهور بالصّبر وطول البال، على كلّ حال، لن أطيل.
سكت ال* على مضض، نظر نجيب إلى الدّبّ مستغرباً، قال:
-دبدوب.. هل لديك أحلام؟!
-ومن قال لك إنّ الدببة لا تحلم، أم تراك صدّقت كلام بعض النّاس أنّ الدببة غبية وبليدة، صحيح أنني كبير جداً، لكنني حسّاس.
-طيب.. بماذا تحلم؟
-حلمي الصحراء، لقد كرهت الثّلج والبرد، آه.. كم أنا مشتاق لرؤية الكثبان الصّفر، وأشجار النخيل الخضر، سأجري تحت أشّعة الشمس المحرقة، حتى يتصبب العرق من جسمي.
لم يصبر ال* حتى ينهي الدب حديثه، فنهق من جديد، ضارباً الأرض بحافره، مشيراً إلى أنّ دوره في الكلام قد حان.
-دورك.. دورك، تفضل.
-أشكرك يا صديقي الطيب على تقديرك، وحسن استماعك، فأنا لم أنل من الناس سوى الضرب والشتائم، المهم.. عندي حلم وحيد وهو السّباحة، لا تستغرب، فأنا أحبّها مذ كنت جحشاً صغيراً تصوّر.. في كثير من الأحيان أتخيّل سطل الماء الذي أشرب منه بحيرة كبيرة، صدقني، لكنّ صاحبي القديم- سامحه اللّه لم يشجعّني. على العكس، كان يمنعني من السير حتى في الحفر الصغيرة، المليئة بأمطار الشتاء، كان يشدّ رسني بقوّة ، ليزيحني عنها، زاعماً أنّي سأنزلق واقعاً.
التفت نجيب إلى السّلحفاة، التي كانت تقف بجانب السرير، مد يده صوبها، نقر بإصبعه على درعها العظمي، فمدّت هذه رأسها ببطء.
-صباح الخير، لقد فاتك حديث طريف، لم تسمعيه من قبل، حظّك سيء.
-ومن قال لك إنّني لم أسمع؟ أنا لم أكن نائمة كما ظننت، لقد أدخلت رأسي كي أعطي لأصدقائي فرصة للتكلّم، فلا أقاطعهم، أمّا الآن وقد جاء دوري، فأنا أعلن أمام الجميع، أن الطيران أحبّ شيء إلى نفسي، لقد قطعت خلال مئة وخمسين عاماً، مسافة يقطعها الطائر بيوم واحد، أهذا عمر؟ أرجوك.. ضع لي جناحين، سأطير سأرى الأشجار والسّهول والبحار، سألعب مع الغيمات، وأراقص النّجمات، سوف…
-على مهلك.. على مهلك، سأحقق أحلامكم، أمري للّه.
فرحت ال*ات، اصطفّت أمامه، فنهض إليها منادياً:
-صياح.. تعال، سأضع لك أذني أرنب.
سُرَّ الديك بأذنيه الجديدتين، نظر إلى حقل البرسيم البعيد، وقبل أن يقفز نحوه، قال نجيب:
-صياح.. كن حذراً، الصيادون يحبّون الأرانب، حاول أن تسمع خطاهم بأذنيك الطويلتين، لتنجو من رصاصهم.
ودّع صياح أصدقاءه، وقفز مقلّداً الأرنب، قاصداً الحقل، كي ينام بهدوء.
-دبدوب.. دورك.
كانت لحظة وضع سنام الجمل على ظهره، من أسعد لحظات عمره لذا حمل قربة الماء، وجرى باتّجاه الصحراء، بغتة صاح نجيب:
-دبدوب.. دبدوب، لا داعي للقربة، فالسّنام مليء بالماء.
رمى الدب القربة أرضاً، وجرى مغنياً:
ركض الدّبْ عرق الدّبْ
رقص.. غنّى لحن الحبْ
-*ي الوقور، الآن ستسبح، حاول ألاّ تبتعد عن الشاطئ فالبحيرة عميقة، وأخشى عليك من الغرق.
لم يصدق ال* أن حوافره استبدلت بأرجل بطّة، جرى إلى البحيرة، رمى نفسه في الماء، وراح يسبح كحوت صغير.
أشار نجيب إلى السّلحفاة، فمشت إليه مسرعة -لأوّل مرة في حياتها- كأنها استبدلت عجلاتٍ بأرجلها.
ضحك نجيب، قال:
- على مهلك.. ستطيرين، ولكن بشرط.
- ما هو؟
- الطّيور تشدو، وأنا أحبّ أن أسمع صوتك.
- حاضر.. سأشدو لك أعذبَ الألحان، هيّا.. ضع لي جناحين، خلّصني.
عندما طارت السّلحفاة، شعر نجيب بالوحدة، نظر جانباً شاهد طائرته الورقيّة الملوّنة مركونة في زاوية الغرفة، اقترب منها.. حملها.. ضمّها إلى صدره مغمضاً عينيه، وراح يحلم بأنّه يمتطيها يحلّق بها عالياً، حائماً حول
اتمنى ان تعجبكم
تحياتي
سهيلة